ابنتي وهوس الجمال!

فريق بانيات
فريق بانيات 34 مشاهدات 6 دقيقة للقراءة

أ.منيرة خالد السنبل.

نادراً ما نذهب إلى مناسبة اجتماعية ولا نجد أنفسنا محاطين بالنماذج المكررة من المراهقات ذوات النمط الموحد: شفاه ممتلئة، وأعين مسحوبة للأعلى، وأجساد هزيلة، تحمل رؤوساً تكللها طبقات لا متناهية من الخصل الملتفة؛ هي ذاتها الصورة النموذجية التي تظهر على شاشة هاتفك بين كل دعاية ترويجية وأخرى. 

كثيراً ما يقودني التأمل في هذه اللقطات الحية إلى تذكّر ألعاب المحاكاة الإلكترونية، حيث تقوم برسم أنماط متكررة من الشخصيات وفقاً لمعيارك الذوقي والجمالي، وكأن هذا العالم من الدمى المراهقة تحركه أيدي خارجية ذات نزوات مزاجية متقلبة.

وفي سبيل التساؤل عن حدوث هذه الظاهرة من التنميط، والقولبة للجمال، نلاحظ أنها لم تكن ظاهرة حتى مطلع القرن الحالي. 

فعلى الرغم من أن لكل عصر سوقه الرائجة في الجمال، إلا أنه ولأسباب اقتصادية وثقافية مختلفة، لم تصل إلى حد العولمة. 

يقول أستاذ الفلسفة جورج فيغاريّلو في هذا الصدد: “إن علاقة الافتتان بفتاة الاستعراض الجاهزة، والبعيدة المنال في آن معاً، والتي لا يمكن محاكاتها مع أنها ‘بشرية’، قد دمقرطت إرادة التجميل، فتحوّل الجمال تدريجياً من حلم إلى حقيقة ملموسة.”، وبالتالي، أصبح المراهقات يشعرن أنهن يستطعن أن يلمسن النجوم، فدخلن في سباق محموم للبحث عن الجمال، حتى وقعن في دركات الهوس. تقول شيرين إبراهيم في مقالة “قولبة الجمال وجمال القبح”:

“أصبح هوس الجمال حالة اجتماعية تستدعي التحليل، والبحث عن حلول مستعجلة؛ حيث إن قيمة الإنسان، وتقدير الآخرين له أضحيا رهينين بتوافق جماله الخارجي مع معايير رسخها الإعلام؛ فمن المؤسف رؤية مراهقات وهن سجينات لفكرة الخضوع لعمليات التجميل نتيجة الضغط النفسي من محيطهن، وسخرية زملائهن، أو كضحايا اكتئاب بسبب صراعهن للوصول إلى الوزن، والشكل المثاليين.” وبالتالي، أصبحت نماذج الاستعراض التي تبنّاها المجتمع بالضرورة، كما يقول فيغاريّلو: “ذات عبء ثقيل،… وكلها تضمن السيطرة على الذات، وإمكانية التلاؤم.”

 وفي سبيل تقديم كف المساعدة للمربيات اللاتي يقفن حائرات أمام تلك الزوبعة، سنقف ابتداءً على سنة النبي ﷺ وكيف تعامل مع فطرة الفتاة المجبولة على الزينة، والحد الفاصل الذي يخرجها عن الفطرة، تروي لنا أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص أن النبيُّ أُتِيَ  ﷺ بثِيابٍ فيها خَمِيصَةٌ سَوْداءُ صَغِيرَةٌ، فقالَ: مَن تَرَوْنَ أنْ نَكْسُوَ هذِه فَسَكَتَ القَوْمُ، قالَ: ائْتُونِي بأُمِّ خالِدٍ فَأُتِيَ بها تُحْمَلُ، فأخَذَ الخَمِيصَةَ بيَدِهِ فألْبَسَها، وقالَ: أبْلِي وأَخْلِقِي وكانَ فيها عَلَمٌ أخْضَرُ أوْ أصْفَرُ، فقالَ: يا أُمَّ خالِدٍ، هذا سَناهْ وسَناهْ بالحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ.1

 وفي موضع آخر تروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت مع النبيِّ ﷺ في أحد أسفاره فانقطع عقد لها في البيداء فأناخ بالقوم؛ بحثاً عن عقدها”.2

  أمّا حينما تتجاوز الزينة الحد المشروع فإن النبي ﷺ لا يحابي في شريعة الله تذكر أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أن امرأة جاءت إلى النبيِّ ﷺ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ، فَقالَ: لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ3وفي موضع آخر يقول ﷺ:”صِنْفَانِ مِنْ أهلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما” ويذكر منهم “نِساء كاسياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمةِ الْبُخْتِ المائِلَةِ”4

 ويجدر بنا أن نستحضر أساليب النبيﷺ التربوية مع الفتيات، ففي أحد الأيام يقف النبي ﷺ على باب عائشة -رضي الله عنها- ولا يدخل، وتعرف في وجهه الكراهة فتبادره -رضي الله عنها- وتقول:” أتُوبُ إلى اللَّهِ وإلَى رَسولِهِ ﷺ، مَاذَا أذْنَبْتُ؟ فَيقول رَسولُ اللَّهِ ﷺ:” ما بَالُ هذِه النُّمْرُقَةِ؟”5وتذكر -رضي الله عنه- نفسها فتقول:” وحكيْتُ له إنسانًا؛ فقال: ما أُحِبُّ أني حَكيْتُ إنسانًا، وأن لي كذا وكذا6؛ فالمربي تُلزِمه بعض المواقف أن يكون لماحاً، ومعرّضاً، بحسب ما يمليه عليه الحال، والمرحلة العمرية، وطبيعة المتربي.


كما نجد أن التحليل النفسي يقدم جملة من الحلول استناداً إلى الحاجات النفسية الملحة للفتاة المراهقة؛ فالفتاة في هذه المرحلة تكون تصورها الذهني عن نفسها من خلال وجهة نظر الآخرين، وتسعى لإرضاء ذاتها وفقاً لمعايير جماعة الأقران التي تنتمي إليها. 

لذا، يتضح مدى الدور الكبير الذي تمثله الأسرة في رسم الصورة الإيجابية للفتاة المراهقة عن نفسها من خلال تعزيز الثقة بذاتها، وتنويرها بطبيعة المرحلة العمرية التي تمر بها، حيث يتغير التكوين الجسدي والهرموني للفتاة مما قد ينتج عنه طفرة في النمو، وعدم اتساق. 

كما يجدر بالمربية أن تبحث عن مكمن الجمال الداخلي الروحي للفتاة؛ كالطيبة، والرفق، والإيثار، والموهبة التي حباها الله بها، وتعمل على تضخيمها في ذهن الفتاة حتى تزاحم فكرة الجمال الخارجي، وتطغى عليها.

أما فيما يتعلق بثقافة التقليد السائدة في المجتمعات وشيوع ثقافة الصورة، فإن تطبيقات التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد إلى جانب التقليدي منه، ساهمت في تسويق مفهوم معين، وصورة محددة للجمال، واضطلعت بمهمة تصدير القيم ممن ليسوا وعاءً لها. 

فإن استثارة الحس الناقد عند الفتاة من خلال طرح الأسئلة، والفرضيات المتعلقة بواقع المجتمع، والاستماع لرأيها الشخصي، هو أمر مهم لجعلها ترى المشهد الاجتماعي في صورته الكاملة، وتقف على محركات الأفكار السائدة فيه، وبالتالي تقيسها بميزان الشرع والعقل.

ختاماً، أنا على يقين ومدركة تماماً باعتباري عاملة مع الفتيات، أن بناء القناعات، وتصحيح المفاهيم في أذهان المراهقات لن يكون بتلك السهولة. 

وفقاً للأبحاث العلمية، يمر مخ المراهق بنظامين لا ينضجان حتى يبلغ سن العشرين؛ النظام الأول هو المسؤول عن السعي وراء المكافآت، والفوائد الواضحة؛ مثل الحصول على الشعبية بين الأصدقاء والأقران، ولا شك

أن من معززاته الضرب على وتر المظهر الخارجي، ومواكبة الجديد في الساحة أياً يكن، بالإضافة إلى توثّب روح المغامرة والإثارة التي يجدها المراهق بكسره للأنظمة، والعُرف، وقواعد السلوك. 

إلى جانب النظام المسؤول عن ضبط النفس، وكلاهما متضافران؛ لذا من فطنة المربية أن تمسك بالسلاح من طرفه الآخر، وتبني الاتجاه الصحيح من خلال السياسة الحسنة لهذين النظامين حتى يصلا إلى حالة الاتزان.

  1. أخرجه البخاري ↩︎
  2. أخرجه البخاري ↩︎
  3. أخرجه مسلم ↩︎
  4. أخرجه مسلم ↩︎
  5. أخرجه البخاري. والنمرقة أي: وِسادةٌ صَغيرةٌ، وكان فيها صُوَرٌ ↩︎
  6. أخرجه أبو داوود ↩︎
شارك هذه المادة
ترك التعليق