في زحام المسؤوليات اليومية وضغوط الحياة، يجد كثير من الآباء أنفسهم في مواجهة تحديات سلوكية مع أبنائهم، فيلجأ بعضهم إلى أساليب عشوائية أو متوارثة لمعالجة هذه السلوكيات، دون الرجوع إلى مختصين تربويين أو نفسيين، وبين حسن النية والرغبة في الإصلاح، قد تتفاقم المشكلة بدلًا من أن تُحل.
كما يعتقد بعض الآباء أن الخبرة الحياتية أو التربية التقليدية كافية لتعديل سلوك الأبناء، متجاهلين أن السلوك الإنساني علمٌ قائم بذاته، يحتاج إلى فهمٍ وتحليلٍ وأدوات مناسبة.
وهذا يعزز أهمية اللجوء إلى المرشـد الأسري أو المستشار الأسري كمحترف مؤهل يقدم الدعم والإرشاد في مجال العـلاقات الأسريـة والتنمية البشرية، ويساعد المربي أو الوالدين على التغلب على التحديات وتحقيق الاستقرار الأسري والاجتماعي. فدور المستشار الأسري لا يقل أهمية عن دور الطبيب والمعلم لأنه يتعامل مع نواة المجتمع: الأسرة. والمجتمعات التي تنتشر فيها ثقافة “الاستشارة الأسرية ” بشكل صحي غالبًا ما تكون أكثر استقرارًا وتُخرِج أفرادًا أكثر توازنًا نفسيًا واجتماعيًا، قال تعالى : (وشاورهم في الأمر). وهذا ما يبين أهمية الاستشارة وما أمر الله عز وجل نبيه ﷺ بالمشورة إلا لما عَلِم فيها من الفضل (تفسير الطبري).
المستشار الأسري
الـمستشار الأسـري هو الشخص المتخصص الذي يعمل على تحسين علاقات الأسرة وتعزيز التواصـل الصحيح والبناء بين أفرادها من مختلف الخلفيات والثقافات، ويقدم لهم الدعم العاطفي والنفسي والمعرفي اللازم للتعامل مع التحـديات اليومية والمشاكل الأسـرية، ويستعين به الأشخاص الذين لديهم مشاكل أسريـة واجتماعية مختلفة لا يستطيع الشخـص حلها بمفرده.
أهمية اللجوء للمختص والمستشار الأسري
يقول الماوردي في كتابه (أدب الدنيا والدين): اعلم أنَّ من الحزم لكل ذي لُب ألا يُبرم أمرًا ولا يُمضي عزمًا إلا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح، فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه صلى الله عليه وسلم، مع ما تكفل به من إرشاده، ووعد به من تأييده.
فالمختص التربوي أو النفسي يمتلك أدوات علمية مبنية على التجريب والدراسة، تمكنه من:
- تحليل جذور السلوك لا مظاهره فقط.
- تصميم خطة تعديل سلوك تناسب عمر الطفل وظروفه النفسية والاجتماعية.
- توعية الأسرة بكيفية التعامل السليم دون إلحاق الضرر النفسي.
كما يمكنه بشكل عام من حل المشكلات الأسرية وتطوير مهارات الوالدين في طريقة حل المشكلات.
ثقافة الرجوع إلى أهل الاختصاص
حين يمرض الجسد، نذهب للطبيب. وحين يضعف البصر، نزور أخصائي العيون. فلماذا نتردد في زيارة المستشار التربوي أو النفسي حين تظهر مشكلة في سلوك الأبناء؟
الرجوع للمختص ليس عيبًا، بل هو وعي ومسؤولية وحرص على مستقبل الأبناء. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “المستشار مؤتمن”، إشارة إلى أن طلب المشورة من أهل الخبرة دليل نضج وثقة.
كما أن المستشار الذي طلب منه المشورة والرأي الأصلح أمين فيما يُسأل عنه من الأمور، فلا ينبغي له أن يخون المستشير بإظهار المفسدة للمستشير وكتمان المصلحة عنه، وبناءً عليه فلا يستشير الإنسان من كانت له مصلحة تعارضه في الأمر المستشار فيه، وينبغي كونه مجربًا أو عالمًا بذلك الأمر(موسوعة الاحاديث النبوية). وقد قال الشاعر قديمًا:
إذا أستشير لبيب – فهو مؤتمن لا ينبغي القول إلا بعد تبيان
ما يجب على المستشار
هي الأمور التي تجب مراعاتها من قِبَل من يستشار في أمر من الأمور، وأُجمِلها فيما يلي:
- الصدق في الرأي ومحض النصح والتجرد: إن على المستشار أن يكون صادقًا في مشورته، مخلصًا في نصيحته، متجردًا عن الهوى والأغراض الصارفة عن قول الحق.
ومن الصدق في الرأي أن يقول له ما يعتقد أنه الحق، ولا يجامله في ذلك، فإن بعض المستشارين يقول لمن يأتيه لطلب الاستشارة ما يحب أن يسمعه لا ما يجب عليه فعله حقًا، وبخاصة إذا كان ذا منصب أو مكانة، وهذا من الخيانة والغش، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: “من غشنا فليس منا” . - التأني وعدم التسرع: مما يجب على المستشار ألا يتعجل الرأي، وعليه بالتأمل، وطول التفكير، وتقليب الأمور على جميع وجوهها، حتى يتضح له الحق، ويتبين الصواب. إن العجلة من الشيطان، وما ندم من تأنى وصبر(فقه الاستشارة).
ختامًا
تعديل سلوك الأبناء مهمة دقيقة لا تُترك للاجتهادات الشخصية أو التجارب غير المدروسة. فلنحسن الاستعانة بأهل العلم، ولنجعل من المختصين شركاء في بناء أجيال سوية نفسيًا وسلوكيًا. فالاستثمار في صحة الطفل النفسية اليوم هو الاستثمار الأذكى في مستقبله غدًا.
