رمضان…محطة تحول

تتناول المقالة مقترح لكيفية استثمار الفتاة لوقتها في هذا الشهر الكريم وكيف تنمي جوانب حياتها المختلفة، الروحية والعقلية والاجتماعية والنفسية والجسدية مع بقاء شيء من المتعة والمرح في يومها.

فريق بانيات
فريق بانيات 9 مشاهدات 5 دقيقة للقراءة

تعريف بالمقالة:

تتناول المقالة مقترح لكيفية استثمار الفتاة لوقتها في هذا الشهر الكريم وكيف تنمي جوانب حياتها المختلفة، الروحية والعقلية والاجتماعية والنفسية والجسدية مع بقاء شيء من المتعة والمرح في يومها.

المقالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:

أنعم المنعم علينا بمواسم الخيرات وجاعلها محطات وقود واستزادة من الخير وفرص لحث الخطى إليه..

وقد بشر النبي الأمين أصحابه بدخول شهر رمضان والبشارات لا تكون إلا فيما يبهج النفس ويسعد القلب فقال (ﷺ): “أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ”.[1]

ومن هنا فإن المتأمل في هذا الخير العظيم، هذا الشهر المبارك الكريم ليجد أنه محطة تحول إذا استثمرها المسلم بالشكل الصحيح

ففيه مميزات لا نجدها في غيره ومنها أنه:

١/ ميدان للتقرب من الله ، فالقليل من العمل فيه كثير لبركته وعِظَم مكانته.

وهنا فرصة لك بأن تبني عادات تعبدية لم تكن موجودة في يومك من قبل، كالمحافظة على السنن الرواتب، أو صلاة الضحى والوتر، وتخصيص وقت لقراءة القرآن، و شيء من المال للصدقة إلى غير ذلك، تبدأين بها وتستمرين في فعلها خلال هذا الشهر الكريم ومن ثم تحافظين عليها بعد ذلك، يقول (ﷺ ) :” أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ”.[2]


[1] صحيح، أخرجه النسائي (4/129).

[2] أخرجه البخاري (6465)، ومسلم (783) واللفظ له.

وأجلُ عبادة في هذا الشهر هي غايته؛ عبادة قلبية ضابطة لكل سلوك وهي التقوى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[1]، ففي تعزيزها وتقويتها فلاح قريب وبعيد، فهي وجِاءٌ من كل محظور وعونٌ على كل مطلوب.

٢/ فرصة لتحقيق التوازن في مجالات الحياة المتعددة (الروحية والجسدية والنفسية والاجتماعية).

زار سلمان الفارسي آخاه أبا الدرداء رضي الله عنهما فوجده قد اجتهد في العبادة – صوم نهار وقيام ليل- وكان هذا حاله في كل أيامه فنبهه لأهمية التوازن وقال له:” إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ” أَتَيَا النبيَّ (ﷺ)، فذكَرَا ذلكَ، فقال له:” صَدَقَ سَلمانُ.[2]

وفي هذا إقرار لأهمية التوازن في مجالات الحياة المتعددة، فكما أن للعبادة نصيب وافر وأهمية عظمى في حياة المسلم خاصة وأنها غاية الخلق كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[3]، بل وتتأكد العبادات في مواسم الخيرات ومنها هذا الشهر الكريم، إلا أن التوازن مطلب حتى لا تسأم النفس ولا تكل، وعليه فإن اللبيبة الأريبة هي من تحسن قيادة وقتها وتقسيمه لتجعل لكل جانب من جوانب حياتها نصيب فيه، فساعات للعبادة وأخرى للجسد من أكل وشرب ونوم وحركة، وساعات لطلب العلم وقراءة المفيد، وأخرى للأهل والصديقات والأنس بهم ومعهم، وشيء منه للمتعة والبهجة ببعض الألعاب التي تطرد السأم وتنعش النفس دون إسراف فيها، إذ إن الحاجة لها كحاجة الطعام للملح، فإن زاد عن حده فسد الطعام، وكذلك اللعب إن زاد عن حده أفسد الحياة وضيع غايتها.

٣/ طريق لتهذيب النفس وتزكيتها وتطويرها

وحيث أن هذا شهر كريم مبارك تعان فيه النفوس على الطاعات وترك المنكرات فهو فرصة لتهذيبها وتزكيتها ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (10) ﴾[4]، ومن هنا كم هو جميل أن يكون لي أهداف تزكوية تطويرية انطلق بها، متحرية بركة هذا الشهر، ومستمرة فيها غدًا لتحقيق أفضل ما أريد أن أراه من نفسي.

٤/ شهر الصبر وتقوية الإرادة وبناء الشخصية.

في هذا الشهر يوقن المسلم أنه قادر بأمر الله وعونه على إدارة حاجاته وشهواته، فهو يمتنع عن الطعام والشراب وكل المفطرات من الفجر حتى الغروب، وهذا وقت ليس بالقصير، ولا حسيب عليه ولا رقيب إلا الله، فهو يراقبه ويتحرى إتمام صومه إيمانًا به واحتسابًا، ولو شاء الصائم أن يفطر لفعل دون أن يعلم به أحد من البشر، لكنه ضبط نفسه وأدار حاجته، وامتنع عما أحل الله له حتى يحين موعد فطره، وفي هذا تقوية له واختبار لقدرته، وبناء لشخصيته، فهو المسؤول عن صيامه، والمتحمل لنتاج هذه المسؤولية وحده.

وأخيرًا، فإن الحاذق الفطن هو من يستثمر هذا الشهر ويحمد الله أن بلغه إياها ويسأله الإعانة على حسن العبادة فيه والقبول بعد التوفيق.


[1] [ البقرة: 183].

[2] أخرجه البخاري (1968).

[3] [الذاريات: 56]

[4] [الشمس: ، 109]

أ/ نادية علي العوبثاني

كاتبة ومدربة، ومهتمة بالمجال القيمي والنفسي والتربوي

شارك هذه المادة
ترك التعليق