استحق الأفضل!

فريق بانيات
فريق بانيات 62 مشاهدات 4 دقيقة للقراءة

بقلم: د. هيلة بديع الجوفان.

        الاستحقاقُ في عصر الوفرة، وطلب الرفاهية.                          

يتميز العصر الذي نعيش فيه بوفرة الخيارات، وتنوع أساليب الحياة، وبروز الرفاهية كأسلوب حياة، ومطلب لجودة الحياة، وظهر تحت هذه الموجة دعوة بما يسمى بـــ (الاستحقاق الذاتي).

وقد تنوع مفهوم (الاستحقاق الذاتي)، ويمكن تجميع أهم صوره بالتالي:

المفهوم الأول: هو الإحساس بالاستحقاق المعاملة الخاصة، والتمييز عن الآخرين، والحصول على امتيازات دون تحقيق إنجازات، أو تحمّل مسؤوليات، وكأن العالم مدين له بشيء لمجرد وجوده في الحياة. 

وهذا المفهوم يُصنف على أنه خلل، ومرض نفسي يحتاج إلى علاج.

المفهوم الثاني: أن شعورك القوي بالاستحقاق لأمر ما، يعيد ضبط دماغك؛ مما يساعد على جذبه وتحقيقه

بمعنى أن كلما كان الشعور منخفضًا فلن تحصل على ما تستحقه، وهنا يتطلب الاستحقاق فقط رفع شعورك بالاستحقاق، فيتحقق ما تريده، وهذا المفهوم من السذاجة قبوله.

المفهوم الثالث: هو ذلك الشعور الذي ينتاب الإنسان – بين وقت وآخر – بأنه يستحق أفضل مما يملك، أو يستحق معاملة أفضل، مما يدفعه للبحث الدائم عن وظيفة أفضل، أو علاقات أفضل، وهذا الشعور علينا أن نضبطه بحقائق مهمة عن الإنسان والحياة؛ حيث يتصف الإنسان بصفات تجعله يبدع، وينتج، ويعمر، ويعطي ويأخذ، لكن عمله، وعطاؤه مهما بلغ يشوبه النقص والخطأ؛ لذا ما نقدمه، أو ما نأخذه فمن الطبيعي – مهما حاولنا – أن يشوبه النقص، والضعف، وأحيانًا الخطأ، ومن المستحيل أن تجد عملًا لا خطأ، ولا نقص فيه، كما أن الحياة جُبلت على الكدر، والنقص، وتقلب الأحوال، فطلب الكمال من الإنسان ومن الحياة مثالية لا وجود لها.

المفهوم الرابع: ارتباط شعور الاستحقاق بالاجتهاد، وبذل الجهد، وعمل الأسباب لتحقيق إنجازات معينة، أو أهداف مرغوبة. يرتبط الاستحقاق هنا بربط فكرة الأسباب بالنتائج، من خلال الخطط الشخصية، والأهداف الحياتية.

 وبالتأكيد، يجب أن يكون للإنسان جودة في العمل، والجد، والاجتهاد، وأن يكون لديه أهداف، وخطط شخصية. 

ومع ذلك، فإن النتائج وما نصل إليه، مهما حاولنا، لا يمكن التأكيد على تحقيقها بالضرورة. قد نعمل الكثير، ولا نجني إلا القليل، والعكس صحيح أيضًا. 

فعمل الأسباب يعود على الإنسان، والنتائج بيد الله سبحانه.

والناظر في سير العظماء، والمبدعين، والمصلحين، والقادة، بل والرسول، والأنبياء، يجد أن استحقاقاتهم الدنيوية التي حصلوا عليها تفاوتت. 

غير أن عقيدتنا الإسلامية تؤكد أن حقوق أعمالنا محفوظة؛ فكل ذي حق بأخذ حقه. لذا، فلا ترهق قلبك، وعقلك بالاستحقاقات التي يكفل الله بها، وسيجريها في وقتها، وبالصورة المناسبة.

والمتأمل في مفهوم الاستحقاق الذاتي يجد جوهره قائمًا على ركيزتين:

الأولى: أن ما نحصل عليه من استحقاقات، سواء كانت إنجازات، أو تعاملات، أو ما نملكه من أملاك، يعكس قيمتنا الذاتية، ومكانتنا الصحيحة.

وبالطبع

ما نملكه، ونحصل عليه لا يعبر عن قيمتنا؛ فقيمة الإنسان ليست فيما يملك، ولا فيما يصنع، ولا فيما يجد، بل قيمته الحقيقية في جوهره الداخلي، وهو معيار التفاضل الحاسم عند الجدل حول مصدر احترام الذات، وتقديرها.

الثانية: أن ما نحصل عليه من استحقاقات، لا يحقق لنا نموًا سليمًا، وشخصية متزنة، والعلم أثبت العكس، فكثير من الدراسات الحديثة تؤكد أن الحرمان، والصعوبات، والتحديات، والخيبات، والأزمات، والمحن التي يمر بها الإنسان في حياته، إذا تعامل معها بطريقة صحية، فإنها تعمق قدراته الذهنية، وتقوي شخصيته، وتهذبها وتبنيها.

وقد صرح كثير من علماء النفس أن إشباع الحاجات، وتحقيق الملذات، لا يحقق الرضا، ولا الراحة، ولا السعادة، وأن النفس البشرية أرقى من أن تجد نفسها، وراحتها في الإشباع. 

إنما يعد الإشباع وسائل ذات مدى وقتي قصير، يتقوى بها الإنسان لغايات أكبر، وأهم.

 وصرح كثير من علماء النفس أن يكون لحياة الإنسان معنى يسعى لتحقيقه، يسمو به عن الإشباع والملذات.

شارك هذه المادة
ترك التعليق