شيفرة الجيل

فريق بانيات
فريق بانيات 47 مشاهدات 6 دقيقة للقراءة

كنت جالسًا مع ابنتي في صالة البيت نتناول القهوة، ودخلنا في حوار شائق. كانت تثير العديد من التساؤلات؛ فقالت لي: “كيف كنتم تتواصلون دون وجود أجهزة هاتف متنقلة؟ 

وكيف كنتم تصلون إلى وجهاتكم دون أن يكون لديكم تطبيقات تحديد المواقع؟ وكيف تصلون إلى المعلومات بسرعة دون وجود محركات البحث؟ وغيرها من أسئلة مشابهة تدور في أذهان هذا الجيل.

لا شك أننا نمر اليوم بمرحلة تحولات كبرى في ظل ما يُطلق عليه الثورة الصناعية الرابعة، والتي أهم ما يميزها أنها انتقلت من التعامل في أرض الواقع إلى التعامل، والحياة في العالم الافتراضي، مما جعل العالم شديد، وسهل، وسريع التواصل مع بعضه البعض. 

وهذه التحولات أدت إلى نشوء جيل جديد يتميز بسمات، وخصائص توافق هذه التحولات في طريقة العيش، والتواصل، والتفاعل، والتعلم، والتفكير، والاهتمامات، وكذلك أنماط الشخصيات، وأنواع المشاكل الحياتية المتولدة مع هذه التحولات.

واكب هذه التحولات في نمط الحياة، ونشوء الجيل الجديد تحديات لجيل المربين والمربيات في المواكبة، والتأقلم مع هذه المعطيات.

 في هذا المقال نتناول باختصار أهم هذه التحولات، وأهم سمات الجيل الجديد، ثم نتطرق إلى أهم المفاهيم، والوسائل التربوية، ونلخص أهم الاحتياجات المهارية للمربين والمربيات، ثم نختم المقال ببعض التوصيات.

أوجدت الثورة الصناعية الرابعة، المرتكزة على التحولات الرقمية، تغييرًا في أنماط الحياة بفضل القدرة العالية على التواصل رقميًا مع العالم من خلال نمو، ونشوء الشبكات الاجتماعية. 

كما أدت إلى سهولة التواصل عبر قدرتهم على الحصول على ما يريدون وهم في أماكنهم؛ مثل تطبيقات توصيل الاحتياجات، والأسواق الإلكترونية، والترفيه عن بعد مع من يريدون اللعب معه من جميع أنحاء العالم. 

كذلك، فتح باب تبادل الثقافات، والمفاهيم الدينية المختلفة، ومكَّن هذا التحول من تعلم، وبناء المهارات المختلفة من خلال منصات التعلم الرقمية، وكذلك القدرة على البحث الآني.

واليوم دخل الذكاء الاصطناعي في تسريع الحصول على المعلومة، وتحليلها، والخروج بتحليلات لها، مثلما أحدثه شات جي بي تي، أو جيمني، أو غيرها. 

بناءً على ذلك، خرجت لنا أجيالٌ لها أنماط تفكير، ومهارات، ونمط حياة يتواكب مع هذه المتغيرات.

إن جيل الألفية، المعروف أيضًا بجيل Z الذي يلي جيل الفا، يتميز بعدة سمات تمثل قوته إذا تم توجيهها، والاستفادة منها. 

هذا الجيل فضولي بطبعه، حيث يسعى لاكتشاف كل ما يتعرض له، نظرًا لتوفر الوسائل التي تمكنه من الوصول إلى المعلومة بسهولة. 

كما يتميز بروح التعاون، والعمل الجماعي، ويفضل أن يكون جزءًا من العمل من بدايته حتى النهاية.

توفر المعلومات الوفيرة جعلت هذا الجيل يتمتع بحب الابتكار، والإبداع، ويعتبر أبناء هذا الجيل دهاة في التقنية. 

يعتمدون على الصورة، والفيديو في طريقة تفكيرهم، وتعلمهم، كما يفضلون التعلم من خلال القصص، والحكايات.

يشكل هذا الجيل مجتمعاته الخاصة، وأصبحوا ما يُعرف بـ “المواطنين الرقميين”، مما يتيح لهم صناعة اهتمامات، وقضايا مشتركة مع العالم، بينما يجيدون التعامل مع الأفكار، والاهتمامات التي قد لا تتفق مع أفكارهم ومعتقداتهم.

كما أنهم لا يحبون الهياكل التنظيمية التقليدية، حتى في مجال عملهم، ويشكلون مجتمعاتهم بأنفسهم.

ولا شك أن هذه التحولات، كما لها إيجابياتها، فلها أيضًا سلبيات، منها أن الأفراد في هذا الجيل يقضون أوقاتًا طويلة على الأجهزة، والشبكات الاجتماعية، مما يؤدي إلى ضعف التركيز، والمهارات الاجتماعية الواقعية لديهم. 

ومن المخاطر التي تواجههم الأمراض النفسية؛ مثل الهشاشة النفسية، والقلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، وغيرها. 

كما قد تحدث لديهم اضطرابات فكرية، واجتماعية نتيجة انفتاحهم على الثقافات المختلفة دون تمحيص، وتنقية. 

يتسم هذا الجيل أيضًا بزيادة الفردانية، والانطوائية في عالم الواقع، حيث يسيطر عليهم الفكر المادي، والاستهلاكي نتيجة تأثير الشبكات الاجتماعية، وتسويق “المشاهير”، ومنتجات الشركات.

وهنا يأتي التحدي أمام المربين، والمربيات على المستوى الشخصي في بناء المهارات التربوية التي تساعدهم على التعامل، والتفاعل مع هذا الجيل. يحتاجون إلى مقاربات تربوية تساعدهم على تفعيل، وتوجيه هذا الجيل والاستفادة من قدراتهم. 

كما يحتاجون إلى تنمية الجوانب الروحية لديهم، وتعزيز أهمية المرجعيات التي يعتمدون عليها في اختياراتهم، وأساليب تفكيرهم، مما يربطهم بدينهم ومجتمعهم. 

وهم بحاجة إلى تطوير الفكر الناقد لديهم للتعامل مع كميات هائلة من المعلومات التي يتعرضون لها؛ لتمكينهم من معالجتها بشكل فعَّال.

طبيعة الحال، عدد من المربين، والمربيات هم من الأجيال التي لم تنشأ في ظل التكنولوجيا الحديثة، وبالتالي يحتاجون إلى تطوير عدد من المهارات، وعلى رأسها القضاء على الأمية الرقمية التي تتقدم بها هذا الجيل. 

تشير الأبحاث إلى أن المربين، والمرشدين اليوم بحاجة إلى قضاء حوالي 35% من وقتهم مع المتربين لتعلم المهارات الرقمية، والتقنية منهم.

بعد ذلك، يأتي تعلم مهارة الطلاقة الرقمية، والتي تتمثل في تطوير القدرة على قبول التحولات الرقمية، والتعامل مع أجهزتها، والتغلب على الخوف والقناعة بعدم القدرة على ذلك. 

يتطلب تعلم هذه المهارة الممارسة، والصبر، والقدرة على تحمل الفشل في مراحل البداية.

أما طريقة الوصول إليهم، والاندماج معهم، فتتمحور حول ثلاثة محاور:

  1. تنمية القدرة على التواصل معهم، والاستماع إليهم، والتفاعل مع أفكارهم ومناقشتها، وإظهار احترام لما يطرحونه.
  2. ادماجهم في العمل، ومشاركتهم في جميع مراحله، بدءًا من طرح الأفكار، والتخطيط لها، وتنفيذها، وتقييمها.
  3. الإجابة على تساؤلاتهم، وفهم الأسباب وراء اهتماماتهم، حيث إنهم جيل معتاد على الوصول السريع للمعلومات، ولديهم روح فضولية، وحب للتساؤل، ولذلك يجب عدم تجاهل هذه السمة.

وأخيرًا، يجب أن تتكيف بيئات تعليمهم، وتربيتهم، والمناشط التي يشاركون فيها مع سماتهم، من خلال توفير الأدوات الرقمية، ومساحات العمل التي تعزز التفكير، والتعاون؛ مثل مختبرات الابتكار، وغيرها.

شارك هذه المادة
ترك التعليق