المضمون التربوي في التراث (2)

فريق بانيات
فريق بانيات 21 مشاهدات 4 دقيقة للقراءة

د.عبيد الظاهري.

الحمد لله، وبعد:

فقد تناولنا في الجزء الأول من المقالة الأساس الكلي للعملية التربوية، وهو القائم على غرس القيم والمفاهيم وتحسين السلوكيات. وبيّنا أن المربي بحاجة إلى التعامل مع مصادر تلك القيم والمفاهيم. في هذا الجزء، نتطرق إلى هذه المصادر وكيفية التعامل معها والاستفادة منها.

يمكن أن نقسم المصادر التي تهم المربي إلى قسمين:

1. المصادر التربوية المباشرة.

2. المصادر التربوية غير المباشرة.

المصادر التربوية المباشرة

المقصود بها تلك الكتب، والمراجع، والوسائط التي تتحدث بشكل خاص حول التربية، ومهاراتها، وقيمها، ومفاهيمها. 

يندرج تحت هذا القسم كافة الرسائل الجامعية، والكتب التربوية الحديثة التي يكتبها المتخصصون في التربية، والتي تجد في عنوانها مفردة “التربية”، أو “التربوية”.

هذا القسم بمفرداته الجديدة هو نوع حادث في التصنيف، ظهر مع بدايات تشكل علم التربية كتخصص ضمن الدراسات الإنسانية والاجتماعية. يمتاز هذا القسم بوجود الدراسات الحديثة، والاتجاهات المتعددة، والمدارس المختلفة في التربية، وهو يمد قارئه بعدد من الأفكار، والآليات المفيدة في مجال التربية، والتي يحتاجها المربي في بنائه الشخصي، وتأثيره التربوي.

من المهم الإشارة إلى ملاحظة الاختلاف المرجعي في الدراسات التربوية، خصوصًا الغربية منها، وكذلك الدراسات العربية التي اعتمدت عليها، وتأثرت بها. 

لا شك أن التربية كمفهوم وممارسة تتأثر بالخلفية المرجعية للكاتب، ولابد أن تنعكس مرئيات الكاتب في كتاباته في هذا المجال. 

هذا لا يعني الاستغناء عنها، ولا يعني التكلف في أسلمتها. فكلا الأمرين، الاستغناء، أو الأسلمة، هما من مثارات الغلط في التعامل مع كتب التربية الغربية. بالإضافة إلى التعامل الثالث الخاطئ، وهو الاستسلام المطلق لمخرجات تلك الكتب.

المربي المسلم بحاجة إلى صناعة قيمه الخاصة، والاستفادة من كافة نتائج المدارس الأخرى وفقًا لمرجعيته العامة، ولسياقه الخاص الزماني أو المكاني، وهو ما نرجو التنبيه إليه وبيان كيفيته في هذه المقالات.

المصادر التربوية غير المباشرة

المقصود بها الكتب، والمراجع، والوسائط التي تضمنت في دواخلها مادة تربوية دون أن تتمحور حول الحديث عن التربية. 

يقصد القارئ منها استخراج تلك المادة وإبرازها؛ هذا القسم هو الأثرى، والأشمل في التراث، بل يمكن القول إنه لا يكاد يوجد علم من علوم الشرعية إلا وهو متضمن المعنى التربوي فيه؛ من كتب التفسير، إلى شروح الحديث، إلى كتب السيرة، والتاريخ، والتراجم، والطبقات، إلى كتب العقيدة، والفقه. كما يظهر بصورة أوضح في كتب الرقائق، والسلوك، والآداب الشرعية، والأخلاق، والسياسة، وأعمال القلوب وغيرها كثير.

هذه الكتب لم تختص بالحديث عن التربية ككتب القسم الأول، إلا أنها حوت على مادة ثرية، ومضمون قيّم، وإشارات مهمة، وتنبيهات دقيقة في التربية، لا يمكن الاستغناء عنها.

يمتاز هذا القسم من المصادر التربوية بالأصالة التربوية المرتبطة بالتصور الإسلامي، ويمتاز بالخصوصية التي ينطلق منها المسلم في تصوراته، ويمتاز بالشمولية التي تغطي كافة احتياجات الإنسان. يمكن القول إن امتياز المربي عن غيره في القيم والتصورات ينبع من عنايته بهذا القسم، وقدرته على استخراج المادة التربوية التي فيه، وتحويلها إلى عمليات، وأدوات يستخدمها في جهده التربوي.

المربي الذي يجمع في بنائه التربوي بين المصدرين، المباشر وغير المباشر، هو المربي القادر على الإبداع، وابتكار الحلول، وتصحيح التصورات والأخطاء التي تقع في العملية التربوية.

إلا أن هذه المصادر لا تكفي بمجرد قراءتها، بل يحتاج المربي معها إلى مهارات ووسائل للاستفادة منها، وهو ما سنتعرف عليه بحول الله في الجزء الثالث من هذه المقالات.

شارك هذه المادة
ترك التعليق