إنَّ كل من اطلع على سيرة النبي المصطفى ﷺ، يتضح له الكثير من الفوائد الجمة في جميع أمور الحياة، ومنها أمور الأسرة، وتربية الأبناء؛ من ذلك، الأمر بالعطف على البنين، وبخاصة البنات، بما يتناسب مع أنوثتهن. فالذرية الصالحة هي نعمة من الله تعالى، تمناها الأنبياء، فصلاحهم سبب لرفعة الدرجات، وامتداد الذكر بعد الموت، وفي الأسطر التالية، سنستعرض بعضاً من هذه الفوائد عبر مقالنا: “البنات ومنزلتهن في السنة النبوية”، حيث نستعرض بعض المواقف الدالة على عناية النبي ﷺ ببناته، ومحبته، ورعايته لهن، ونشير من خلال ذلك إلى رعاية الإسلام للبنات.
وجوب شكر الله على عطيته:
يجب شكر الله على عطاياه سواء كانت ذكراً أم أنثى، فإن الله -عز وجل- يهب الذكور والإناث، والإنسان لا يعلم أين الخير والنفع، فعلى الوالدين شكر الله، وعدم اتباع أهل الجاهلية في كرههم للبنات، فقد ذمهم الله -عز وجل- بقوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ سورة النحل: الآية 58-59 .
وقال النبي ـ ﷺ ـ:” إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات” صحيح البخاري، ح 2408، 3/120، وروى الإمام أحمد أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال:” لا تكرهوا البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات” مسند أحمد، ح 17373، 28/601. وروى البخاري عن ابن عمر أنَّ رجلاً عنده بنات، فتمنى موتهن، فغضب ابن عمر، فقال:” أنت ترزقهن؟” ينظر: لمحات في تربية البنات للقاسم، 1/7.
استحباب التهنئة بقدوم البنت:
لما كانت البشارة تسرُّ العبد، وتفرحه، أستحب للمسلم أنْ يبادر على مسرة أخيه، وإعلامه بما يفرحه، ولا فرق في التهنئة بالولد عن البنت تربية البنات للعرفج، 1/14. قال صالح بن أحمد بن حنبل: “كان أبي إذا ولد له ابنة كان يقول: الأنبياء كانوا آباء بنات” تحفة المودود لابن القيم، 1/26، ودخل رجل على الحسن البصري فقال: ليهنك الفارس يا أبا سعيد! يعني: هنيئاً لك بالفارس، فضحك الحسن فقال: ما أدراك أفرس هو أم حمار؟ مقتطفات من السيرة لشحاتة، 4/9.
وقال أحد الأدباء لرجل ولدت له بنت:” بارك الله لك في الابنة المستفادة، وجعلها لكم زيناً، وأجراً لكم عليها خيراً، فلا تكرهوهن؛ فإنهن الأمهات، والأخوات، والعمات، والخالات، ومنهن الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله” زيادة الحسنات للعرفج، 1/14.
تربية النبي ﷺ لبناته في مرحلة الطفولة:
من هديه ﷺ في تربية بناته في مرحلة الطفولة أنه كان يسرُّ، ويفرح لمولد بناته -رضي الله عنهن- فقد سُرَّ واستبشر ﷺ لمولد ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، وقال لما بُشِّر بها: “ريحانة أشمها، ورزقها على الله”، وتوسم فيها البركة واليمن، فسماها فاطمة، ولقبها بـ (الزهراء)، وكانت تُكنى أم أبيها. في هذا درس عظيم من دروس السيرة النبوية، بأن من رُزق البنات، وإن كثر عددهن، عليه أن يُظهر الفرح والسرور، ويشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبه من الذرية، وأن يعزم على حسن تربيتها وتأديبها، وعلى تزويجها بالكفء “التقي” من الهدي النبوي في تربية البنات لعفيفي، 1/396.
إشعار البنت بالحنان: لقد كان النبي ﷺ يستقبل ابنته فاطمة، ويمشي لها، وكان إذا رآها رحب بها، وقال:” مرحبًا بابنتي”، ثم يجلسها عن يمينه أو شماله صحيح البخاري، ح 3623، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، 4/203، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:” ما رأيت أحدا كان أشبه كلامًا، وحديثًا من فاطمة برسول الله ﷺ، وكانت إذا دخلت عليه رحب بها، وقام إليها، فأخذ بيدها، فقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، رحبت به، وقامت فأخذت بيده فقبلته” السنن الكبرى للبيهقي، ح 13587، جماع أبواب الترغيب في النكاح وغير ذلك، باب ما جاء في قبلة الرجل ولده، 7/162
وقال البراء: “دخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة مضطجعة قد أصابتها حمى، فرأيت أباها يقبل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية” المختصر النصيح، كتاب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة، 4/129، وعن عائشة، قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص قالت: فلما رآها رسول الله ﷺ رق لها رقة شديدة، وقال:” إنْ رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها” سنن أبي داوود، ح 2629، كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال، 3/62.
الإحسان إلى البنات ستر من النار وإيجاب للجنة:
عن عائشة زوج النبي ﷺ، قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي ﷺ فحدثته حديثها، فقال النبي ﷺ:”من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له ستراً من النار” صحيح مسلم، ح 2629، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الإحسان الى البنات، 4/2027.ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على حنان الأم، وبلوغها القمة في الشفقة، والعطف، والحنان زيادة الحسنات للعرفج، 1/12..
وعن عائشة، أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أنْ تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله ﷺ، فقال:” إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار” صحيح مسلم، ح 2630، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الإحسان الى البنات، 4/2027.
وروى عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:” من كان له ثلاث بنات، وصبر عليهن، وكساهن من جدته كن له حجابا من النار” الأدب المفرد للبخاري، ح 76، باب من عال جاريتين أو واحدة، 1/45. ، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال:” ما من مسلم تدركه ابنتان فيحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة” الأدب المفرد للبخاري، ح 76، باب من عال جاريتين أو واحدة، 1/45، وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله ﷺ قال:” لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة” الأدب المفرد للبخاري، ح 76، باب من عال ثلاث أخوات، 1/45.
نماذج من قصص الصحابة مع البنات:
تحوي كتب سير الصحابة الكثير من القصص اللطيفة، ومنها هذا الحوار بين الصحابيين الجليلين معاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص، حيث دخل عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان وعنده ابنته عائشة، فقال عمرو: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب، فقال عمرو: انبذها عنك، فقال معاوية: ولم؟ قال عمرو: فو الله إنهن ليلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، فقال معاوية: لا تقل ذلك يا عمرو!
فو الله ما مرَّض المرضى، ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، ولا بر الأحياء مثلهن، قال عمرو: ما أعلمك إلا حببَّتهن إليَّ، دخلت عليك يا معاوية وما على الأرض شيء أبغض إليَّ منهن، وإني لأخرج من عندك وما عليها شيء أحب إليَّ منهن زيادة الحسنات للعرفج، 1/14.
خاص بموقع بانيات د. أسماء بنت صالح العامر (باحثة شرعية).
قد يهمك أيضاً: